الاثنين، 17 مارس 2008

(13) لسان كل قوم هو لسانهم ولا يحمل لسان على لسان ولا يفسر لسان بلسان



(13) لسان كل قوم هو لسانهم ولا يحمل لسان على لسان ولا يفسر لسان بلسان

- اصطلاح النحاة هو ألسنة النحاة
وما سموه اصطلاح النحاة , هو ألسنة النحاة وألفاظهم التي تكلموا بها , ونقلوها إلى غير ما كانت تدل عليه بلسان العرب , وألسنة النحاة وألفاظهم كثيرة مختلفة , وليست لساناً واحداً , واللفظة الواحدة من ألفاظهم قد تدل في كلام كلِّ طائفة منهم غير ما تدل عليه في كلام طائفة أخرى , وما صار المتأخرون منهم يسمونه مبتدأ وخبراً وصفة وحالاً وتمييزاً كانت له عند المتقدمين منهم أسماء أخرى كثيرة , وكذلك غيرها من ألفاظهم , فمن فسر كلام المتقدمين من النحاة بما صارت تدل عليه الألفاظ بلسان المتأخرين منهم , أو فسر كلام المتأخرين بما كانت تدل عليه الألفاظ بلسان المتقدمين , أخطأ تفسير كلامهم , وقال عليهم ما لم يقولوا , وإنما يفسر كلام كل رجل من النحاة بما كانت تدل عليه الألفاظ بلسان ذلك الرجل خاصة دون غيره , وألسنة النحاة وألفاظهم يفسر بها كلام النحاة , ولا يفسر بها كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم , فإنما أنزل الله كتابه وبعث نبيه صلى الله عليه وسلم بلسان العرب قوم النبي صلى الله عليه وسلم بألسنة النحاة , فما تدل عليه الألفاظ في كتاب الله وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ما كانت تدل عليه بلسان أولئك العرب ؛ وليس بما صارت تدل عليه ألسنة النحاة .
2- اصطلاح المحدثين هو ألسنة المحدثين
وكذلك ما سموه اصطلاح المحدثين , ومصطلح الحديث , هو ألسنة المحدثين وألفاظهم التي تكلموا بها ونقلوها إلى غير ما كانت تدل عليه بلسان العرب ,وألسنة المحدثين كثيرة مختلفة , وليست لساناً واحداً , وما كانت تدل عليه الألفاظ بألسنة المتقدمين منهم , ليس هو ما صارت تدل عليه تلك الألفاظ بألسنة المتأخرين , فلا يفسر كلام المتقدمين بما صارت تدل عليه الألفاظ بلسان المتأخرين , ولا يفسر كلام المتأخرين بما كانت تدل عليه الألفاظ بلسان المتقدمين , وإنما يفسر كلام كل رجل من المحدثين بما كانت تدل عليه الألفاظ بلسان ذلك الرجل خاصة دون غيره , فلفظة حديث ضعيف وحديث حسن تدل بألسنة المتقدمين من المحدثين على غير ما صارت تدل عليه ألسنة المتأخرين , قال ابن تيمية في بعض فتاويه :وأما قسمة الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف , فهذا أول من عرف أنه قسمه هذه القسمة أبو عيسى الترمذي , ولم تعرف هذه القسمة عن أحد قبله , وقد بين أبو عيسى مراده بذلك , قال : وأما من قبل الترمذي من العلماء , فما عرف عنهم هذا التقسيم الثلاثي , لكن كانوا يقسمونه إلى صحيح وضعيف , والضعيف عندهم نوعان : ضعيفٌ ضعفاً لا يمتنع العمل به , وهو يشبه الحسن في اصطلاح الترمذي , وضعيف ضعفاً يوجب تركه وهو الواهي ( ) .اهـ وقال في كتابه ((منهاج السنة النبوية)) وكان الحديث في اصطلاح من قبل الترمذي إما صحيح , وإما ضعيف والضعيف نوعان : ضعيف متروك , وضعيف ليس بمتروك , فتكلم أئمة الحديث بذلك الاصطلاح فجاء من لا يعرف إلا اصطلاح الترمذي , فسمع قول بعض الأئمة الحديث الضعيف أحب إلي من القياس , فظن أنه يحتج بالحديث الذي يضعفه مثل الترمذي , وأخذ يرجح طريقة من يرى أنه أتبع للحديث الصحيح , وهو في ذلك من المتناقضين , الذين يرجحون الشيء على ما هو عليه بالرجحان منه إن لم يكن دونه ( ) . اهـ , وقال ابن القيم في كتابه ((إعلام الموقعين)) وليس المراد بالحديث الضعيف في اصطلاح السلف هو الضعيف في اصطلاح المتأخرين , بل ما يسميه المتأخرون حسناً , قد يسميه المتقدمون ضعيفاًَ كما تقدم بيانه ( ) اهـ , وقال الزركشي في كتابه ((النكت على كتاب ابن الصلاح)) : وحكى الشيخ شهاب الدين أبو شامة في كتاب ((الجهر بالبسملة)) , عن القاضي ابن العربي أنه سمع ابن عقيل الحنبلي في رحلته إلى العراق يقول : مذهب أحمد أن ضعيف الأثر خير من قويِّ النظر , قال ابن العربي : وهذه وهلةٌ من أحمد لا تليق بمنصبه , قال الزركشي : قال شيخنا شرف الدين ابن قاضي الجبل : وإنما أتي من أنكر هذه اللفظة على أحمد لعدم معرفته بمراده ؛ فإن الضعيف عند أحمد غير الضعيف في عرف المتأخرين , فعنده الحديث ينقسم إلى صحيح وضعيف ؛ لأنه ضعف عن درجة الصحيح ؛ وأما الضعيف بالاصطلاح المشهور ؛ فإن أحمد لا يعرِّج عليه أصلاً ( ) اهـ , وقال ابن حجر في كتابه ((النكت على كتاب ابن الصلاح)) وقد وجد التعبير بالحسن في كلام من هو أقدم من الشافعي , قال ووجد هذا من أحسن الأحاديث إسناداً في كلام علي بن المديني , وأبي زرعة الرازي , وأبي حاتم , ويعقوب بن شيبة , وجماعة , لكن منهم من يريد بإطلاق ذلك المعنى الاصطلاحي , ومنهم من لا يريده , فأمَّا ما وُجد من ذلك في عبارة الشافعي ومن قبله , بل وفي عبارة أحمد بن حنبل , فلم يتبين لي منهم إرادة المعنى الاصطلاحي , بل ظاهر عبارتهم خلاف ذلك ( ) اهـ , ولعله أراد بالمعنى الاصطلاحي ما صار لفظ الحسن يدل عليه بلسان المتأخرين من المحدثين , وكلامهم في ذلك كثير , وكذلك غيرها من ألفاظهم .
وذكر أبو عمرو بن الصلاح في أول كتابه في ((علوم الحديث)) الآحاد والمتواتر , وما يفيد الظن وما يفيد اليقين , وكتاب أبو إسحاق النظام , وأبو الهذيل العلاف , وأصحابههما من المعتزلة هم أول من أحدث الكلام في الآحاد والمتواتر في الإسلام ولعلهم كانوا أخذوه من كلام اليهود في التلمود واختلافهم فيه, والمتقدمون من أئمة المحدثين لم يذكروا آحاداً ولا متواتراً , ولا ما يفيد الظن , وما يفيد اليقين , ولا علماً ضرورياً , ولا نظرياً ولا شيئاً من ذلك , فلما ذكرها أبو عمرو بن الصلاح اتَّبعه على ذلك المتأخرون من المحدثين ولم يفعل المحدثون في تلك الأبواب شيئاً وإنما نقلوا أشياء من كلام المعتزلة وغيرهم , ولم ينسبوها إليهم , فنسبت بعد للمحدثين , فتلك الأبواب كانت من كلام المعتزلة , ولعل أبا عمرو بن الصلاح كان هو أول من خلطها بكلام المحدثين , وألسنة المحدثين وألفاظهم يفسَّر بها كلامهم , ولا يفسَّرُ بها شيء من كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
3- ألسنة الكتاب والأطباء والصناع وغيرهم
وكذلك ما سمُّوه اصطلاح الكتَّاب والبلاغيين , والأطباء والصنَّاع وغيرهم , إنما هي ألسنتهم التي يتكلمون بها , وتلك الألسنة كلها ألسنة محدثة , يفسر بها كلام من تكلم بها , ولا يفسر بها شيء من كلام الله وروسوله صلى الله عليه وسلم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق