الخميس، 13 مارس 2008

(12) كلامهم في الألفاظ المشتركة هو بعض كلامهم في الحقيقة والمجاز ...


(12) الألفاظ المشتركة

كلامهم في الألفاظ المشتركة هو بعض كلامهم في الحقيقة والمجاز

قال أبو الحسين البصري المعتزلي في كتابه ((المعتمد)) : باب إثبات الحقائق المفردة والمشتركة , اعلم أن في اللغة ألفاظاً مفيدة للشيء الواحد على الحقيقة , وألفاظاً مفيدة للشيء وخلافه وضدة حقيقة على طريق الاشتراك ( ) . اهـ , وذكر أبو الحسين ذلك بعد كلامه في الحقيقة والمجاز , وقبل كلامه في الحقائق الشرعية , وقال الغزالي في ((المستصفى)) : إن الألفاظ المتعددة بالإضافة إلى المسميات المتعددة على أربعة منازل , ولنخترع لها أربعة ألفاظ , وهي المترادفة والمتباينة والمتواطئة والمشتركة , قال : وأما المشتركة فهي الأسامي التي تنطلق على مسميات مختلفة لا تشترك في الحد والحقيقة البتَّة كاسم العين للعضو الباصر , وللميزان , وللموضع الذي يتفجر منه الماء , وهي العين الفوارة , وللذهب , وللشمس , وكاسم المشترى لقابل عقد البيع وللكوكب المعروف , قال : والاسم المشترك قد يدل على المختلفين كما ذكرناه , وقد يدلٌّ على المتضادين , كالجلل للحقير والخطير , والناهل للعطشان والريَّان , والجون للسواد والبياض , والقرء للطهر والحيض ( ) . اهـ وقال الرَّازي في ((المحصول)) : اللفظ المشترك هو اللفظ الموضوع لحقيقتين مختلفتين أو أكثر وضعاً أولاً من حيث هما كذلك , قال : وقولنا وضعاً أولاً احترزنا به عمَّا يدل على الشيء بالحقيقة , وعلى غيره بالمجاز( ) اهـ , وقال الزركشي في ((البحر المحيط)) : قال ابن الحاجب في ((شرح المفصل)) : هو اللفظ الواحد الدَّال على معنيين مختلفين أو أكثر , دلالة على السَّواء عند أهل تلك اللغة , سواء كانت الدلالتان مستفادتين من الوضع الأول , أو من كثرة الاستعمال , أو استفيدت إحداهما من الوضع , والأخرى من كثرة الاستعمال ( ) اهـ ؛ وقال الأرموي في ((التحصيل)) هو اللفظ الواحد المتناول لعدة معان من حيث هي ( ) كذلك بطريقة الحقيقة على السواء ( ) اهـ , وقال القرافي في ((شرح تنقيح الفصول)) : هو اللفظ الموضوع لكل واحد من معنيين فأكثر ( ) . اهـ وقال ابن جزي المالكي في ((تقريب الوصول إلى علم الأصول)) : هو اللفظ الموضوع لمعنيين وضعاً لم ينقل من أحدهما إلى الآخر ( ) . اهـ , وقال الأصفهاني في بيان المختصر : هو اللفظ الواحد الموضوع لعدَّة معان وضعاً أولاً ( ) . اهـ , وقال ابن السبكي في ((الإبهاج في شرح المنهاج)) : المشترك هو اللفظ الواحد الدَّال على معنيين مختلفين أو أكثر , دلالة على السواء عند أهل تلك اللغة , سواء كانت الدلالتان مستفادتين من الوضع الأول , أو من كثرة الاستعمال أو كانت إحداهما مستفادة من الوضع والأخرى من كثرة الاستعمال ( ) اهـ , وهو نفس قول ابن الحاجب بلفظه , ذكره ابن السبكيِّ ولم ينسبه إليه , وقال الجرجاني في كتابه ((التعريفات)) : المشترك ما وضع لمعنى كثير بوضع كثير , كالعين ,لاشتراكه بين المعاني ( ) اهـ وقال التهانوي في ((كشاف اصطلاحات الفنون)) : كون اللفظ لمفرد موضوعاً لمعنيين معاً على سبيل البدل من غير ترجيح ( ) . اهـ ؛ وقال الشوكاني في (( إرشاد الفحول)) هو اللفظة الموضوعة لحقيقتين مختلفتين أو أكثر وضعاً أوّلاً من حيث هما كذلك ؛ فخرج بالوضع الأول ما يدل على الشيء بالحقيقة وعلى غيره بالمجاز ( ) اهـ .
وفي تلك الحدود كفاية , واتبعهم عليها أكثر المتكلمين , وقال بعضهم حدوداً أخرى غيرها , ولا حاجة إلى الإطالة بذكرها ( ) , وكلامهم كله يشبه بعضه بعضاً , وأخذه بعضهم عن بعض , وتلك الحدود التي ذكروها كلها تدل على أن اللفظ المشترك هو اللفظ الذي يدل على شيئين أو أكثر , وهو لا يدل على أحدها حقيقة وعلى غيره مجازاً , ولكنه يدل عليها كلها حقيقةً , والأشياء التي يدل عليها قد تكون مختلفة أو متضادة , والحقيقة عندهم هي ما وضع له اللفظ أولاً في أصل اللغة , فاللفظ المشترك هو اللفظ في وضع أصل اللغة بزعمهم لشيئين مختلفين أو متضادين أو أكثر منهما , وقولهم إن اللغة بدأت بالوضع والاصطلاح باطلٌ كله , والله تعالى علم آدم البيان , ثم اختلفت ألسنة بينه من بعده , وما كان اللفظ يدل عليه أولاً لا سبيل إلى علمه , ولا حجَّة عليه ؛ وإذا صار اللفظة بلسان قوم تدل على شيئين أو أكثر , فلابد أن يكون معها من كلام المتكلم أو أنبائه ما يبين ما أريد بها ؛ وإذا كان تقسيم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز باطلاً محدثاً , فتقسيم الحقيقة إلى مفردة ومشتركة باطلٌ مثله ؛ ونقل الزركشي في ((البحر المحيط)) عن أبي العباس ثعلب , وأبي زيد البلخيِّ , والأبهري أنَّهم أنكروا الألفاظ المشتركة , قال : ومنعه قوم في القرآن خاصَّة , ونسب لابن داود الظاهري , ومنعه آخرون في الحديث ( ) اهـ
وكل من أنكر تقسيم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز , فلا ريب ينكر تقسيم الحقيقة إلى مفردة ومشتركة ؛ إذ لا حقيقة ولا مجاز .

....................
2- الرد على قول أبي الحسين البصري المعتزلي في جواز وضع المشترك
وقال أبو الحسين البصري : ودليل جواز ذلك –يعني المشترك أنه لا يمتنع أن تضع قبيلة اسم ((القرء)) للحيض ؛ وتضعه أخرى للطهر ؛ ويشيع ذلك ويخفى كون الاسم موضوعاً لهماً من جهة قبليتين , فيفهم من إطلاقه الحيضُ والطهر على البدل ؛ وأيضاً فإن المواضعة تابعة للأغراض ؛ وقد يكون للإنسان غرض في تعريف غيره شيئاً مفصلاً ؛ وقد يكون غرضه بأن يعرفه مجملاً , مثال الأول : أن يشاهد زيد سواداً , ويريد أن يعرِّف عمراً أنه شاهد سواداً , ومثال الثاني أنه يريد تعريفه أنه شاهد لوناً ولا يفصِّله له ؛ فجاز أن يضعوا اسماً يطابق كل واحد من الغرضين ( ) اهـ , وقال الرازي : في سبب وقوع الاشتراك , السبب الأكثري وهو أن تضع كل واحدة من القبلتين تلك اللفظة لمسمى آخر , ثم يشتهر الوضعان , فيحصل الاشتراك , والأقلي , هو أن يضعه واضع واحدٌ لمعنيين , ليكون المتكلم متمكناً من التكلم بالمجمل , وقد سبق في الفصل السابق أن التكلم بالكلام المجمل من مقاصد العقلاء ومصالحهم ( ) أهـ
وهو نفس كلام أبي الحسين البصري سماه الرازي سبباً أكثرياً ؛ وسبباً أقلياً , ولم يزد عليه شيئاً ؛ وقوله : ولا يمتنع أن تضع قبيلةٌ اسم القرء للحيض , وتضعه أخرى للطهر ثم يشيع .

وذلك كله ظنٌّ باطل لا حجة له ؛ ولفظ قرء اختلف فيه , قال أبو إسحاق الزجاج في كتابه ((معاني القرآن وإعرابه)) : أخبرني من أثق يرفعه إلى يونس بن حبيب أن الأقراء عنده يصلح للحيض والطهر , ويقال : هذا قارئ الرياح لوقت هبوبها( ) اهـ ,وقال الأزهري في تهذيب اللغة : أخبرنا عبد الملك , عن الربيع , عن الشافعي , أن القرء اسم للوقت , فلما كان الحيض يجيء لوقت , والطهر يجيء لوقت جاز أن يكون الأقراء حيضاً وأطهاراً ( )اهـ , وذكر في الرسالة قريباً من ذلك ( ) اهـ, وقال أبو عبيدة في مجاز القرآن : والقرء , جعله بعضهم الحيضة , وقال بعضهم : الطهر , قال : وكل قد أصاب ؛ لأنه خرج من شيء إلى شيء , فمن قال : هو الحيض , فخرجت من الطهر إلى الحيض , ومن قال : بل هو الطهر , فخرجت من الحيض إلى الطهر , وأظنه أنا من قولهم : قد أقرأت النجوم , إذا غابت ( ) اهـ وقال أبو عبيد في ((غريب الحديث)) : فأصل الأقراء إنما هو وقت الشيء إذا حضر ( ) اهـ وقال الأزهري في ((تهذيب اللغة)) قال أبو عبيد : الأقراء : الحيض والأقراء : الأظهار , وقد أقرأت المرأة في الأمرين جميعاً ,وأصله من دنوِّ وقت الشيء ( ) اهـ , وقال ابن دريد في ((الجمهرة)) : وأقرأت المرأة إقراءً فهي مقرئٌ , واختلفوا في ذلك فقال : قوم : هو الطهر , وقال قوم : هو الحيض , وكل مصيب ؛ لأن الأقراء هو الجمع , والانتقال من حال إلى حال فكأنه انتقال من حيض إلى طهر , وهو الأصح والأكثر , ويجوز أن يكون انتقالاً من طهر إلى حيض ( ) اهـ , وأخذه أكثر من كلام أبي عبيدة ؛ فلفظ قرء ليس يدل على شيئين الحيض والطهر ولكنه مختلف فيما يدل عليه . وكثير من الألفاظ التي زعموا أنها مشتركة هي كذلك ألفاظٌ اختلف فيما تدل عليه , وليست ألفاظاً تدل على أشياء مختلفة ؛ والناس يحتاجون في كلامهم إلى التفصيل والإجمال , والبيان والإبهام ؛ وليست الألفاظ من وضع واضع من الناس , وقول الرازي : أكثري وأقليٌّ هو من كلام المولِّدين وألفاظهم , وليس بلسان العرب ؛ وخيرٌ للمتفقهين أن يتشبهوا بلسان العرب الذي نزل القرآن به , ولا يتشبهوا بلسان الرَّازي وغيره من العجم المولدين . .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق