الأحد، 13 يناير 2008

(7) من أين أتت فكرة المجاز وممن نقلها المتكلمون (؟؟؟)


(7) من أين أتت فكرة المجاز وممن نقلها المتكلمون (؟؟؟)


الحقيقة والمجاز في كتب الفلاسفة1-
1-كتاب الخطابة والشعر لأرسطو

قال النديم في ((الفهرست)) كتاب الخطاية لأرسطو طاليس , يصاب بنقل قديم ,رأيت أحمد بن الطيب هذا الكتاب نحو مائة ورقة بنقل قديم(1 ) , اهـ ووجدت نسخة من نقل عربي لكتاب الخطابة فى مكتبة باريس , وهى منقولة من خط ابن السمح وهو البغدادي المنطقي ( 2) وقال ابن السمح إنه قابلها على نسختين عربيتين سقيمتين , وإحداهما أشد سقما من الأخرى , وكان إذا أشكل عليه شيء منها رجع فيه إلى نسخة سريانية , ونشر د. عبد الرحمن بدوى تلك النسخة , وقال إنها قد تكون من ذلك النقل القديم الذي ذكره النديم , والنقل القديم في كلام النديم هو ما كان قبل نقل حنين بن إسحاق العبادي النصراني , فلعل ذلك النقل كان فى المائة الثانية من الهجرة .
وذكر المجاز والاستعارة في مواضع من المقالة الثالثة من تلك النسخة , قال : ((ومعظم التعبيرات فيما بعد , ويزداد إدراكا كلما ازداد علما , وكلما كان الموضوع مغايرا لما كان يتوقعه , وكان النفس تقول : هذا حق و وأنا التى أخطأت , واللطيف الرشيق من الأمثال ما يوحى بمعنى أكثر مما يتضمنه اللفظ , ولسبب عينه كانت الألغاز لذيذة , إنها تعلمنا أمورا على سبيل المجاز( 3) , وقال : وفي جميع هذه الأحوال إذا كان الاشتراك اللفظي أو المجاز هو الذي يأتي بالكلمة المناسبة , فإن النجاح مؤكد ( 4) , وقال : وكلما تضمنت العبارة معانى ازدادت روعة , مثل أن تكون الألفاظ مجازية , وكانت الاستعارة مقبولة , وثم تقابل أو طباق , وثم فعل , أما الصور فكما قلنا من قبل : إنها تغييرات – مجازات – مرموقة جدا , وتتألف دائما من حدين مثل الاستعارة التمثيلية (5 ) . اهـ بلفظة .
وأما كتاب الشعر , فقال النديم , إن الكندي – فيلسوف العرب – كان اختصره( 6) , والكندي كان معاصرا للجاحظ , ولا حجة على أنه كان هو أول من نقل كتاب الشعراء لأرسطو إلي العربية , ولعله كان نقل قبله , فاختصره هو من ذلك النقل , ووجدت منه نسخة بنقل أبى بشر متى من السرياني إلى العربي , وهو نقل رديء,
وطبع باليونانية عدة مرات , ونقله د. عبد الرحمن بدوي من اليونانية إلى العربية نقلا جديداً .
وكذلك ذكر فيه المجاز , قال : وكل اسم هو إما شائع, أو غريب , أو مجازى , أو حيلة , أو مخترع , أو مطول , أو موجز , أو معدل , قال : والمجاز نقل اسم يدل على شيء إلى شيء آخر , والنقل يتم إما من جنس إلى نوع , أو من نوع إلى جنس أو من نوع إلى نوع , أو بحسب التمثيل , وأعنى بقولي : من جنس إلى نوع ما مثاله , هنا توقفت سفينتي , لأن الإرساء ضرب من التوقف , وأما من النوع إلى الجنس فمثالة , أجل : لقد قام أودوسوس بآلاف من الأعمال المجيدة , لأن آلاف معناها كثير , والشاعر استعملها مكان كثير , ومثال المجاز من النوع إلى النوع قوله : انتزع الحياة بسيف من نحاس , وعندما قطع بكأس متين من نحاس , لأن انتزع هاهنا معناها قطع , وقطع معناها انتزع , وكلا القولين يدل على تصرم الأجل الموت , وأعنى بقولي : بحسب التمثيل , جميع الأحوال التي فيها تكون نسبة الحد الثاني إلى الحد الأول كنسبة الرابع إلى الثالث , لآن الشاعر سيستعمل الرابع بدلا من الثاني بدلا من الرابع و وفى بعض الأحيان يضاف الحد الذي تتعلق به الكلمة المبدل بها المجاز , ولإيضاح ما أعنى بالأمثلة أقول : إن النسبة بين الكأس وديونوسس هي النسبة بين الترس وأرس , ولهذا يقول الشاعر عن الكأس إنها ترس ديونوسس , وعن الترس إنه كأس أرس , وكذلك النسبة بين الشيخوخة والحياة هي بعينها النسبة بين العشية والنهار , ولهذا يقول الشاعر عن العشية ما قاله أنبا دقليس إنها شيخوخة النهار, وعن الشيخوخة إنها عشية الحياة أو غروب العيش , وفى بعض أحوال التمثيل لا يوجد اسم , ولكن يعبر عن النسبة , فمثلا نثر الحب يسمى البذر , ولكن للتعبير عن فعل الشمس وهى تنثر أشعتها لا يوجد لفظ , ومع ذلك فإن نسبة هذا الفعل إلى أشعة الشمس , هي بعينها نسبة البذر إلى الحب , ولهذا يقال : تبذر نورا إلهيا , ويمكن أيضا استعمال هذا الضرب من المجاز بطريقة أخرى , فبعد الدلالة على شيء باسم يدل على آخر , ننكر صفة من الصفات الخاصة بهذا الأخير , فمثلا بدلا من أن نقول عن الترس إنه كأس أرس , نقول عنه إنه كأس بلا خمر , قال : والاسم المخترع هو الذي لم يكن مستعملا قط ووضعه الشاعر من تلقاء نفسه , إذ يبدو أن هذه حال بعض الأسماء (7 ) .
وقال : فمن المهم إذن حسن استخدام كل ضرب من ضروب التعبير التي تحدثنا عنها من أسماء مضاعفة مثلاً , أو كلمات غريبة , وأهم من هذا كله البراعة في المجازات لأنها ليست مما نتلقاه عن الغير , بل هي آية المواهب الطبيعية , لأن الإجادة في المجازات معناها الإجادة في إدراك الأشباه (8 ) .
وقال : وبعض العبارات ينبغي أن يفهم على أنه قيل على سبيل المجاز , مثلاً قوله : جميع الآلهة وجميع المحاربين ناموا الليل كله , بينما يقول أيضاً , لما أن جلي ببصره إلى سهل طروادة , ذهل حينما سمع صوت النايات والصفارات , لأن جميع وضعت مكان كثير مجازاً , لأن الجميع يفترض العدد الكبير , وكذلك قوله : وحيدة لا تغرب , مقول مجازاً , لأن المعروف هو : وحدها , قال : والبعض الآخر ( 9) يفسر بكون اللفظ ذا معنيين, ومنها ما يفسر بالإستعمال اللغوي فلفظ خمر يطلق على أي مشروب ممزوج , ومن هنا أمكن أن يقال : إن غانوميدس يصب الخمر لزيوس (10 ) وإن كان الآلهة لا يشربون الخمر , ويطلق على الذين يعملون في الحديد اسم النحاسين , ومن هنا أمكن أن يقال : ساق من القصدير حديثة الصنع , ولكن هذا يمكن أن يفسر أيضاً بواسطة المجاز (11 ) ا هـ وذكر فيه المجاز في مواضع أُخر .
وكل ما ذكر في هذين الكتابين – الخطابة والشعر – من المجازات بحسب التمثيل وإدراك الأشباه , والاستعارة التمثيلية , والاشتراك اللفظي , والاستعمال اللغوي , ووضع اللفظ في موضع غيره , ونقل اسم يدل على شيء إلى شيء غيره , واختراع الشعراء لأسماء لم تستعمل قط قبلهم , كل ذلك هو نفسه ما ذكره الجاحظ ومن بعده من المتكلمين , وبعض ما ذكر فيها من الأمثلة هو نفسه ذكره عبد القاهر الجرجاني وغيره , وأخذ الجاحظ كلام أرسطو فعبر عنه بعبارته , وبسطه وشرحه , والتمس له الأمثلة في ألفاظ العامة والمولدين , وخلطها بلسان العرب , وزعم أن النابغة أحدث اسم المظلومة للأرض التي لم تحفر , ولم تحرث إذا فعل ذلك بها , ولم يتكلم به أحد قبله قط( 12) .
وكلام النظام , وأبي الهذيل العلاف , وثمامة بن أشرس , وبشر المريسي وغيرهم من رؤساء المتكلمين يدل على سعة علمهم بكتب أرسطو طاليس وغيره من الفلاسفة , وأنهم كانوا قرءوها كلها , وقرءوا كثيراً من شروحها , وروي ان جعفر بن يحيى البرمكي ذكر أرسطو طاليس , فقال النظام , قد نقضت عليه كتابه فقال جعفر : كيف وأنت لا تحسن أن تقرأه ؟ فقال : أيما أحب إليك أن أقرأه من أوله إلى آخره إلى أوله ؟ ثم اندفع يذكر شيئاً فشيئاً وينقص عليه , فتعجب منه جعفر , ( 13)
وروي كذلك أنه كان نظر في شئ من كتب الفلاسفه, ثم ناظر أبا الهذيل العلاف فوجده أعلم بها منه ( 14) , ونقل الجاحظ في كتاب ((الحيوان)) كلام النظام في طائفة من المفسرين , ومنه : وقال رجل لعبيد الله بن الحسن القاضي, إن أبي اوصى بثلث ماله في الحصون, قال: اذهب فاشتر به خيلا, فقال الرجل, إنه إنما ذكر الحصون,قال: أما سمعت قول الأسعر الجعفي:
ولقد علمت على تجنبي الردى .... أن الحصون الخيل لا مدر القرى
قال النظام: فينبغي في مثل هذا القياس علي هذا التأويل, أنه ما قيل للمدن والحصون حصونا إلا على التشبيه بالخيل(15 ) اهـ , وسواء أكان القاضي يذهب إلى هذا التأويل أم كذب عليه, فكلام النظام في تسمية الحصون و المدن على التشبيه بالخيل, هو نفس كلام الجاحظ في تسمية الشيء باسم غيره على التشبيه والمثل والاشتقاق.
وكل ذلك حجج بينة على أن الناقلين لكتب أرسطو طاليس وغيره من الفلاسفة كانوا هم أول من أحدث في الإسلام ذكر المجاز و والاستعارة ,والاستعارة التمثيلية , والاشتراك اللفظي , ونقل الاسم من شيء إلى غيره , وكان ذلك في الشطر الآخر من المائة الثانية من الهجرة , وكانوا هم كذلك أول من أحدث القول بأن الاسم هو اللفظ , وكان ذلك القول شر مصيبة على علم اللسان العربي وفقهه , وأسأل الله القريب المجيب أن أبين ذلك في موضع يليق به
وعن أولئك الناقلين لكتب الفلاسفة أخذ ذلك أبو إسحاق النظام , وأبو الهذيل العلاف , وثمانة بن أشرس , وبشر المريسي , وأبو عبيدة , والجاحظ , وابن المعتز , وغيرهم من المتكلمين , ونهج أولئك المتكلمون في تفسير كلام العرب نهج أرسطو في تفسير كلام اليونان , واتبعوا في تفسير كلام الله تعالى , وكلام رسول صلى الله عليه وسلم سنن أرسطو في تفسير ضلالات اليونان وأساطيرهم , وجادل أولئك المتكملون بذلك عن قولهم بالمترلة بين المترلتين , وهي أول مسألة فرقت بين المعتزلة وغيرهم , وقولهم إن أسماء الإيمان والكفر والفسق نقلت فى الإسلام إلى غير ما كانت تدل عليه بلسان العرب , وعن كثير من إلحادهم في أسماء الله تعالى وقدره , وغيرها من بدعتهم وإفكهم , وأضلتهم تلك الفلسفة عن لسان العرب , فأهلكتهم العجمة .
2- كتاب الشفاء لابن سينا
وفسر ابن سينا في كتابه (( الشفاء )) كثيراً من كلام أرسطو في الخطابة والعبارة والشعر , وذكر المجاز , والاستعارة والتغيير والنقل , والتشبيه , وغيرها , وكلامه فيها هو نفس كلام أولئك المعتزلة , ومن ذلك قوله : والحقيقي هو اللفظ المستعمل في الجمهور المطابق بالتواطؤ للمعنى , وأما النقل فإنما يكون أول الوضع والتواطؤ على معنى , وقد نقل عنه إلى معنى آخر , وأما المغير فهو المستعار والمشبه ( 16) وقوله : وعندما يقول هوميروس في حديثه عن آخيل : كر كالأسد , فهذا تشبيه , وعندما يقول : كر هذا الأسد , فهذا مجاز , لنه لما كان الرجل والحيوان في هذا المثال ممتلئين شجاعة , صح أن يسمى آخيل أسداً على سبيل المجاز ( 17) ا هـ .
وهو نفس كلام أبي عبد الله البصري في النقل وفي الأسد , ونفس كلام الرماني في الفرق بين التشبيه والاستعارة , وذلك يدل على أن أولئك المعتزلة أخذوا كلامهم في المجاز والاستعارة من كتب أرسطو , وكان ما بأيديهم من النقل لتلك الكتب وشروحها أتم وأحسن من النقل القديم , وكان النقل القديم ناقضاً سقيماً , ولعله لذلك كان كلام أبي عبد الله البصري , والرماني أشبه بكلام أرسطو , واقرب لعبارته من كلام الجاحظ
وإذاً فهذا هو مصدر هذه الترهات جميعاً ..وكذلك كل قول فاسد في الاعتقاد واللغة والأصول والحديث فإنما نشأ في الأغلب الأعم من الاطلاع والنقل عن خرافات أولئك الوثنيين..ولذلك فضل بيان في موضع آخر بإذن الله..
============
الحواشي:
(1 ) الفهرست .. الفن الأول من المقالة السابعة : ( ص 310 ) .
(2 ) ذكره التوحيدي في المقابسات ( ص 60 ) .
(3 ) (( الخطابة )) ( ص 220 ) .
(4 ) (( الخطابة )) ( ص 221 ) .
(5 ) (( الخطابة )) ( ص 223 ) .
(6 ) (( الفهرست )) الفن الأول من المقالة السابعة ( ص 310 ) .
(7 ) فن الشعر لأرسطوطاليس , ترجمة عبد الرحمن بدوي (ص 57-59) .
(8 ) فن الشعر (ص64) .
(9) أي : من العبارات .
(10) غانوميدس في الأساطير اليونانية هو ابن طروس , وكانت اختطفته الآلهة , وزيوس أحد آلهتهم , وآلهة أرسطوطاليس لا يشربون الخمر , ولكنهم يشربون أي شراب ممزوج , ولفظ ممزوج , ولفظ الخمر في رأي أرسطو يطلق على أي شراب ممزوج , فلذلك جاز في نظره لهوميروس – شاعر الإلياذة , وسيد الشعراء غير مدافع في نظر أرسطو-أن يقول : إن غانوميدس كان يصب الخمر لزيوس , وكل الأمثلة التي ذكرها هنا هي من الإلياذة , وآلهة أرسطو طاليس كما يشربون أي شراب ممزوج , ولا يشربون الخمر , كذلك ينامون الليل كله , وخاب أقوام وخسروا يسمونه المعلم الأول ويتخذونه إماماً ! .
(11 ) (( فن الشعر )) (ص 74 – ص 76 ) .
(12 ) كتاب الحيوان : ( 1/ 331 – 332 , 5/279 – 280 ) .
(13 ) (( طبقات المعتزلة )) ( ص50 )
(14 ) (( طبقات المعتزلة )) ( ص44 )
(15 ) كتاب (( الحيوان )) ( 1/ 345 _ 346 )
(16 ) نقله د. المطعني (ص1053) وعزاه إلى كتاب ((الشفاء)) تحقيق د. عبد الرحمن بدوي (ص66-67) .
(17 ) (( مقدمة النثر )) د. طه حسين (ص14) .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق